تُعد العقود الادارية من أهم الأدوات التي تعتمد عليها الجهات الحكومية في المملكة العربية السعودية لتنفيذ المشاريع العامة وتقديم الخدمات للمواطنين، فهي تمثل الإطار القانوني الذي يُنظم العلاقة بين الإدارة العامة والمتعاقدين معها، وتختلف في طبيعتها وأحكامها عن العقود المدنية أو التجارية.
يقدم المكتب خدمات استشارات قانونية شاملة ومراجعتها بالشكل القانوني الصحيح بطرق احترافية تضمن لك جميع حقوقك، لا تتردد وقم بالتواصل معنا الان.
في هذا المقال سنتناول مفهوم العقود الادارية في النظام السعودي، وأنواعها، وأركانها الأساسية، مع الاستناد إلى النظام السعودي للعقود والمشتريات الحكومية والأنظمة ذات العلاقة، لتوضيح الصورة القانونية الكاملة لهذا النوع من العقود.
ما هي العقود الادارية؟
العقد الإداري هو اتفاق يُبرم بين جهة حكومية (الإدارة العامة) وشخص طبيعي أو اعتباري آخر، يهدف إلى تنفيذ مرفق عام أو تحقيق مصلحة عامة، ويتضمن شروطًا استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية.
ويُستدل على هذا التعريف من خلال المبادئ العامة المستقرة في الفقه الإداري ومن نصوص نظام المنافسات والمشتريات الحكومية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/128) لعام 1440هـ، الذي نظّم إجراءات إبرام وتنفيذ العقود الادارية التي تبرمها الجهات الحكومية.
ويهدف النظام السعودي من تنظيم العقود الإدارية إلى تحقيق مبدأ المصلحة العامة وضمان الشفافية والمنافسة العادلة في التعاقدات الحكومية، مع منح الإدارة سلطات استثنائية تتيح لها حماية المال العام وضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد.
يمكنك التعرف أيضا على: خصائص الدعوى الادارية
الطبيعة القانونية لـ العقود الادارية
تتميز العقود الادارية عن غيرها من العقود الخاصة بطبيعتها “العامة”؛ أي أن أحد أطرافها هو جهة من جهات الإدارة، وأن الغاية من العقد هي تحقيق منفعة عامة وليس مجرد مصلحة خاصة.
كما أن الإدارة تمتلك سلطات استثنائية داخل العقد، مثل سلطة التعديل والانفراد بإنهاء العقد في حالات معينة، وهو ما لا يجوز في العقود المدنية التي تخضع لمبدأ “العقد شريعة المتعاقدين”.
الأساس النظامي لـ العقود الادارية في السعودية
اعتمدت المملكة العربية السعودية تنظيم العقود الادارية في إطار عدد من الأنظمة، أبرزها:
- نظام المنافسات والمشتريات الحكومية: وهو النظام الأساسي الذي يحدد قواعد طرح المنافسات العامة وإبرام العقود الحكومية وتنفيذها.
- اللائحة التنفيذية للنظام التي تفصل إجراءات الترسية، والتعاقد، والفسخ، والتعديل.
- قرارات وزارة المالية التي تُعنى بإصدار النماذج الموحدة للعقود الحكومية.
وتنص المادة (2) من النظام على أن أحكامه تسري على جميع الجهات الحكومية، بما في ذلك الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، في كل ما يتعلق بـ العقود الادارية الخاصة بالأشغال العامة والمشتريات والخدمات.
أنواع العقود الإدارية
تتنوع العقود الادارية في النظام السعودي بحسب الغرض منها وطبيعة الالتزام الواقع على المتعاقد مع الإدارة، وقد نظمها نظام المنافسات والمشتريات الحكومية والأنظمة ذات الصلة لضمان الشفافية وتحقيق المصلحة العامة.
وفيما يلي أبرز أنواع العقود الادارية المعمول بها في المملكة:
1. عقود الأشغال العامة
تُعد من أكثر العقود الادارية شيوعًا، إذ تُبرمها الجهات الحكومية لتنفيذ مشاريع البنية التحتية أو الإنشاءات أو الصيانة العامة، مثل بناء الطرق، والمستشفيات، والمدارس، والمطارات.
وتُعتبر هذه العقود جوهرية لارتباطها المباشر بتسيير المرافق العامة وتحسين الخدمات للمواطنين، كما يخضع تنفيذها لمراحل دقيقة تبدأ بالطرح العام ثم الترسية ثم التعاقد الرسمي.
ويُلزم النظام المقاولين بتقديم ضمانات مالية لضمان الالتزام بشروط التنفيذ، وفقًا لما نصت عليه المادة (53) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية.
2. عقود التوريد
تُبرم لتوريد المواد أو المعدات أو الأدوات اللازمة لتسيير المرافق العامة وتشغيل الإدارات الحكومية.
وتُعد من العقود الادارية إذا كان أحد أطرافها جهة حكومية وكان الهدف منها تحقيق مصلحة عامة، مثل توريد الأدوية للمستشفيات أو الأجهزة التعليمية للمدارس الحكومية.
ويلتزم المورد بتوريد البضائع بالمواصفات المحددة وفي المدة الزمنية المنصوص عليها، مع إمكانية فرض غرامات تأخير أو فسخ العقد في حال الإخلال بالالتزامات.
3. عقود التشغيل والصيانة
وهي عقود تُبرمها الدولة لتشغيل مرافق عامة قائمة أو صيانتها، مثل تشغيل المستشفيات الحكومية أو محطات الكهرباء أو شبكات المياه.
وتتميز هذه العقود بكونها من العقود الادارية التي تهدف إلى استمرار المرفق العام دون انقطاع، مما يجعلها ذات طبيعة حيوية تتطلب كفاءة عالية من المتعاقدين.
كما تتيح الإدارة في هذا النوع من العقود استخدام سلطتها في الإشراف الفني والإداري ومتابعة الأداء لضمان جودة الخدمة واستمراريتها.
4. عقود الامتياز أو الالتزام
تمنح الجهة الإدارية بموجب هذا النوع من العقود الادارية حق استغلال مرفق عام لفترة محددة لشخص خاص، مقابل التزامه بإنشاء المرفق أو تشغيله أو صيانته، على أن يقدم خدمة عامة للمواطنين تحت إشراف الدولة.
وتُستخدم هذه العقود عادة في مجالات النقل والطاقة والاتصالات، وتُعد من أكثر العقود تعقيدًا نظرًا لتداخل المصالح العامة والخاصة فيها.
وقد أكدت الأنظمة السعودية أن هذا النوع من العقود يجب أن يُبرم وفق إجراءات خاصة تضمن المنافسة العادلة والشفافية.
5. عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP)
يُعد هذا النوع من العقود الادارية من أحدث الأنماط التعاقدية في المملكة، ويهدف إلى تعزيز التعاون بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص لتنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى.
وقد تم تنظيمه بموجب نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/63) لعام 1442هـ، الذي وضع إطارًا قانونيًا واضحًا لهذه الشراكات.
وتسهم هذه العقود في تحقيق رؤية السعودية 2030 من خلال جذب الاستثمارات الخاصة وتخفيف الأعباء المالية على الدولة مع الحفاظ على الإشراف الإداري الكامل.
من خلال هذا التنوع في العقود الادارية، يتضح أن النظام السعودي يتبنى نهجًا مرنًا ومتوازنًا في تنظيم العلاقة بين الإدارة العامة والقطاع الخاص، بما يضمن تحقيق المصلحة العامة وتطوير الأداء الحكومي في مختلف القطاعات.

أركان العقد الإداري
مثل أي عقد آخر، يقوم العقد الإداري على أركان أساسية تضمن صحته وشرعيته من الناحية النظامية، وهي:
1. الرضا
يشترط لصحة العقود الادارية وجود رضا متبادل بين الجهة الإدارية والمتعاقد معها، دون إكراه أو غش أو تدليس.
لكن يلاحظ أن إرادة الإدارة في العقد الإداري تخضع لقيود النظام، فلا يمكنها التعاقد إلا ضمن حدود اختصاصها وصلاحياتها.
2. المحل
يجب أن يكون محل العقد مشروعًا وممكنًا ومحققًا لمصلحة عامة.
فلا يجوز أن يكون موضوع العقد مخالفًا للأنظمة أو يمس النظام العام أو الآداب العامة.
ويُشترط كذلك أن يكون المحل محددًا تحديدًا دقيقًا في وثائق العقد، خصوصًا في العقود الادارية المتعلقة بالأشغال أو التوريد.
3. السبب أو الغرض
يُشترط أن يكون الغرض من العقد الإداري هو تحقيق مصلحة عامة، وهي السمة الجوهرية التي تميزه عن العقود المدنية.
ويؤدي انحراف الجهة الإدارية عن هذا الغرض إلى بطلان العقد.
4. الشكل والإجراءات النظامية
لا ينعقد العقد الإداري إلا بعد استيفاء الإجراءات الشكلية المنصوص عليها في النظام، مثل:
- طرح المنافسة العامة.
- الموافقة على الترسية.
- توقيع العقد من الجهة المختصة.
- توثيقه رسميًا وفق القواعد المالية والإدارية.
وتنص المادة (46) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية على أن “العقود التي تبرمها الجهات الحكومية لا تكون نافذة إلا بعد توقيعها من صاحب الصلاحية ومصادقتها من الجهة المختصة”.
الخصائص المميزة لـ العقود الادارية
تتميّز العقود الادارية في النظام السعودي بعدد من السمات الجوهرية التي تميّزها عن العقود المدنية أو التجارية، وذلك بالنظر إلى طبيعة أطرافها والغاية التي تسعى إلى تحقيقها.
وفيما يلي أبرز الخصائص التي تُبرز الطابع الإداري لهذا النوع من العقود:
1. وجود طرف إداري يتمتع بامتيازات السلطة العامة
تُبرم العقود الادارية بين جهة إدارية تمثل الدولة أو أحد أجهزتها العامة، وطرف آخر من القطاع الخاص.
ويمتاز الطرف الإداري بسلطات استثنائية تُمكّنه من فرض الشروط الإلزامية أو تعديل بعض البنود لضمان سير المرفق العام بانتظام، وفق ما نصّت عليه مبادئ القضاء الإداري السعودي.
2. تحقيق المصلحة العامة كغاية رئيسية للعقد
الغاية الأساسية من العقود الادارية ليست تحقيق ربح أو منفعة خاصة، وإنما خدمة المصلحة العامة وتحسين كفاءة المرافق الحكومية.
فكل عقد إداري يجب أن يكون موجّهًا لتحقيق منفعة عامة أو هدف حكومي استراتيجي، وهو ما يميّزه عن العقود التجارية التي تقوم على المصلحة الفردية.
3. تضمين شروط استثنائية تمنح الإدارة سلطات خاصة
تتضمن العقود الادارية عادة شروطًا استثنائية غير مألوفة في العقود المدنية، مثل:
- حق الإدارة في تعديل بنود العقد أو فسخه من جانب واحد إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.
- فرض الجزاءات أو الغرامات التأخيرية دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء مسبقًا.
هذه الشروط تُعد من الركائز القانونية التي تمنح الإدارة المرونة اللازمة لإدارة المرافق العامة بكفاءة.
4. خضوع العقد للقضاء الإداري في حال نشوء نزاع
في حال نشوء نزاع حول تنفيذ أو تفسير العقود الادارية، يختص ديوان المظالم (المحكمة الإدارية) بالنظر فيه، وليس القضاء العام.
ويرجع ذلك إلى الطبيعة الخاصة لهذه العقود، إذ تتضمن تطبيق قواعد القانون العام وليس الخاص، مما يجعل القضاء الإداري هو الجهة الأنسب للفصل فيها.
5. الطابع الزمني المؤقت للعقد
تتسم العقود الادارية بأنها مؤقتة بطبيعتها، إذ تنتهي بانتهاء الغرض العام الذي أبرمت من أجله، كتشغيل مرفق أو تنفيذ مشروع محدد.
ولا يجوز تمديدها إلا وفق الشروط والإجراءات النظامية التي تحددها الجهة الإدارية المختصة.

نصائح قانونية عند التعامل مع العقود الادارية في السعودية
لأن العقود الادارية تختلف عن العقود المدنية في طبيعتها وأحكامها، من الضروري على الأفراد والشركات المتعاقدة مع الجهات الحكومية أن يتعاملوا معها بوعي قانوني دقيق.
إليك أبرز النصائح لضمان سلامة التعامل وحماية الحقوق:
1. افهم طبيعة العقد قبل التوقيع
- تأكّد مما إذا كان العقد الذي ستبرمه يُعد عقدًا إداريًا أم مدنيًا، لأن ذلك يحدد الجهة القضائية المختصة وأسلوب تنفيذ الالتزامات.
- فالعقد الإداري يخضع للقانون العام، وليس لقواعد المعاملات المدنية التقليدية.
2. راجع الشروط الاستثنائية بعناية
- غالبًا ما تتضمن العقود الادارية بنودًا تمنح الجهة الحكومية صلاحيات خاصة كالتعديل أو الفسخ من جانب واحد.
- يُنصح بمراجعة هذه البنود بدقة مع محامٍ مختص في القانون الإداري قبل التوقيع، لتجنّب أي التزامات غير متوقعة.
3. وثّق جميع مراحل التنفيذ
- الجهات الإدارية تعتمد على الدقة في التوثيق والمستندات الرسمية.
- احرص على حفظ جميع المراسلات، أوامر التغيير، ومحاضر الاجتماعات، فهي تُعد أدلة قانونية مهمة في حال حدوث نزاع أمام القضاء الإداري.
4. احرص على مطابقة العقد للأنظمة السعودية
- تأكد من أن جميع بنود العقد تتوافق مع نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية، حتى لا يُعتبر العقد باطلًا أو مخالفًا للنظام.
5. استعن بخبرة قانونية متخصصة
- في حال وجود أي غموض في تفسير بنود العقد أو أثناء مرحلة التنفيذ، استعن بمحامٍ إداري مختص يمتلك خبرة في التعامل مع العقود الادارية، لتفادي الأخطاء القانونية التي قد تؤثر على مركزك التعاقدي.
يمكنك التعرف أيضا على: التصفيه الاداريه في نظام الافلاس الجديد
ختامًا، فإن العقود الادارية تمثل أحد أهم أدوات الإدارة الحديثة لتحقيق التنمية المستدامة وضمان حسن استخدام المال العام في المملكة العربية السعودية.
لكنها، في الوقت ذاته، تتطلب فهمًا دقيقًا للنصوص النظامية والإجراءات الشكلية لضمان صحة العقد وسلامة تنفيذه.
وإذا كنت بصدد إبرام أو مراجعة عقد إداري، أو لديك نزاع يتعلق بأحد العقود الحكومية، يمكنك التواصل مع مكتبنا للمحاماة والاستشارات القانونية، حيث نوفر دعمًا قانونيًا متخصصًا في مجال العقود الحكومية والإدارية، وفق الأنظمة السعودية السارية.
أسئلة شائعة
ما الفرق بين العقد الإداري والعقد المدني في السعودية؟
العقد الإداري يُبرم بين جهة حكومية وشخص طبيعي أو اعتباري لتحقيق مصلحة عامة، ويخضع لأحكام القانون العام، بينما العقد المدني يتم بين أطراف من القطاع الخاص ويخضع لأحكام النظام المدني.
كما أن الجهة الحكومية تملك في العقود الإدارية امتيازات استثنائية كحق التعديل أو الفسخ الانفرادي، وهي غير متاحة في العقود المدنية.
هل يمكن الطعن في القرارات الصادرة عن الجهة الإدارية أثناء تنفيذ العقد؟
نعم، يمكن الطعن في القرارات الإدارية أمام المحكمة الإدارية بهيئة ديوان المظالم، خاصة إذا كانت القرارات متعسفة أو مخالفة لشروط العقد أو لأحكام النظام.
هل يجوز تمديد مدة العقود الادارية بعد انتهائها؟
يجوز تمديد العقد الإداري في بعض الحالات التي تقتضيها المصلحة العامة، بشرط موافقة الجهة الإدارية المختصة، واستيفاء الإجراءات النظامية المنصوص عليها في نظام المنافسات والمشتريات الحكومية.
من الجهة المختصة بالنظر في المنازعات المتعلقة بـ العقود الادارية؟
الجهة المختصة هي المحاكم الإدارية بديوان المظالم، حيث تختص بالفصل في المنازعات الناشئة عن العقود التي تكون جهة حكومية طرفًا فيها، متى كانت ذات طبيعة إدارية.
هل يمكن للقطاع الخاص الانسحاب من العقود الادارية؟
لا يمكن الانسحاب من العقد الإداري بإرادة منفردة دون موافقة الجهة الإدارية، إلا في حالات محددة يقرّها النظام، مثل القوة القاهرة أو الإخلال الجوهري من قبل الإدارة.
ويُعد الانسحاب دون مبرر مشروع إخلالًا بالعقد يترتب عليه غرامات أو فسخ من جانب الجهة الحكومية.
للتواصل مع أفضل محامي في مكة ، وطرح ما لديك من تساؤلات عليه لا تتردد بالتواصل معنا
المصادر

