تُعتبر توزيع التركة من أبرز جوانب نظام الأحوال الشخصية في المملكة العربية السعودية، حيث تستند إلى الشريعة الإسلامية التي وضعت القواعد اللازمة لتنظيمها وتحديد مستحقيها وفق ما أمر به الله سبحانه وتعالى، وذلك إرضاءً له وخوفاً من عقابه. وتُعد قسمة التركة من القضايا المالية التي تشهد مطالبات ونزاعات قوية، إذ أن الورثة هم الأقرباء الذين يرتبطون ببعضهم البعض. لذا، حرص المشرع السعودي على وضع قواعد وإجراءات عامة تنظم عملية تقسيم الميراث بين الورثة، بهدف تعزيز العلاقات الاجتماعية بينهم وتنظيم أي نزاعات قد تنشأ. ويستند هذا الإطار بشكل عام إلى الشريعة الإسلامية.
ومن هنا، سنستعرض أهم الإجراءات والخطوات التي ينبغي اتخاذها عندما يرغب الورثة في تقسيم الميراث.
تعريف التركة
التركة هي ما يتركه الشخص بعد وفاته من أموال وحقوق مالية وعينية.
الاختصاص الولائي والنطاق المكاني للنظر في إجراءات قسمة التركة
تطبق المحاكم أحكام الشريعة الإسلامية على القضايا والطلبات المعروضة أمامها، استنادًا إلى ما ورد في الكتاب والسنة. وتختص محاكم الأحوال الشخصية بالنظر في هذه قضايا قسمة التركة والطلبات وفقًا للمادة (33) من نظام المرافعات الشرعية. كما أن الاختصاص القضائي يتحدد بمكان إقامة المدعى عليه، وفي حال عدم وجود محل إقامة له في المملكة، يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في نطاقها مكان إقامة المدعي. وإذا لم يكن هناك محل إقامة للمدعي أو المدعى عليه في المملكة، يحق للمدعي رفع دعوى توزيع التركة في أي من محاكم مدن المملكة العربية السعودية. وفي حالة تعدد المدعى عليهم، يكون الاختصاص للمحكمة التي تقع في نطاق اختصاصها مكان إقامة الأكثر منهم.
ترتيب الحقوق في تقسيم الميراث
تُرتَّب الحقوق المتعلقة بـ توزيع التركة وفقاً لما يلي:
- تجهيز الميت بالمعروف.
- سداد الديون، مع تقديم ما يتعلق منها بعين من التركة.
- تنفيذ الوصية.
- قسمة ما يتبقى من التركة بين الورثة.
تنص المادة (198) من نظام الأحوال الشخصية على بعض الأمور التي يجب إنجازها قبل قسمة التركة على الورثة، وهي تجهيز الميت بالمعروف، مما يعني تخصيص جزء من التركة لتغطية نفقات تجهيز الميت وتكفينه. كما يجب سداد الديون المستحقة على الميت، مع تقديم ما يتعلق منها بعين من التركة.
بعد ذلك، يتم تنفيذ الوصية، والتي تُعرَّف بأنها التصرف في المال على نحو تبرعي يُضاف إلى ما بعد وفاة الموصي، وفقاً للمادة (169) من نفس النظام. وأخيراً، يتم توزيع التركة بين الورثة وفقاً للفروض الشرعية.
وبذلك، يتضح أنه لا يمكن قسمة التركة بين الورثة بشكل مباشر، ولا يمكن البدء في إجراءات توزيع التركة إلا بعد الانتهاء من الحقوق التي تسبقها.
حالات منع الإرث بين الزوجين
الفُرقة بين الزوجين تمنع إرث أحدهما من الآخر إلا في حالتين:
- إذا كان الطلاق رجعيًا، حيث يتوارثان طالما أن المرأة في فترة العدة.
- إذا طلق الرجل في مرض الموت دون طلب من المرأة، فإنها ترثه ما لم تتزوج قبل وفاته.
الإجراءات الواجب اتخاذها قبل البدء في توزيع التركة
يجب على الورثة اتخاذ عدة خطوات هامة قبل الشروع في إجراءات قسمة التركة في السعودية، وذلك لضمان حفظ حقوق كل وارث في التركة المقسمة.
- يتعين على الورثة الحصول على شهادة وفاة المتوفى، حيث لا يمكن وجود تركة إلا بوفاة حقيقية أو حكم قضائي وفقًا للمادة (199) من نظام الأحوال الشخصية. بعد الحصول على شهادة الوفاة،
- استخراج صك حصر الوراثة، الذي يقر فيه القاضي بوفاة المورث وتاريخ وفاته والورثة المستحقين للإرث.
- تقديم طلب لإصدار صك حصر الورثة لدى محكمة الأحوال الشخصية وفقًا للنطاق المكاني للورثة.
- يقوم الورثة باستخراج صك ولاية قاصر إذا كان هناك قاصر بينهم له حق في الإرث، وهذا الصك يُستخرج في حال كان القاصر غير بالغ أو غير عاقل.
إجراءات تقسيم الميراث بالتراضي بين الورثة
- تتم قسمة التركة بالتراضي من خلال اتفاق جميع الورثة على توزيع التركة بينهم، حيث يجتمع الورثة مع الوكيل الشرعي للورثة الغائبين، ويقومون بحصر الديون المتعلقة بالتركة، بما في ذلك الديون المرتبطة بذمة المورث والديون التي يتعذر تحصيلها.
- يتم حصر جميع أعيان التركة، والتي قد تشمل عقارات، شركات، مؤسسات، أموال نقدية، أسهم، سندات دين، بالإضافة إلى المنقولات مثل الملابس، الهواتف، والسيارات.
- إذا واجه الورثة صعوبة في تحديد جميع أموال المورث، يمكنهم التواصل مع الجهات الرسمية مثل وزارة التجارة أو هيئة السوق المالية دون الحاجة للجوء إلى القضاء. بعد حصر الأعيان، يتم تقييمها بشكل تفصيلي، ويمكن أن يتم ذلك بواسطة مقيم مرخص، لتحديد نصيب كل وارث وفقاً للأنصبة الشرعية.
- يقوم الورثة بسداد جميع الديون المستحقة على المورث، ويتم ذلك من خلال مخالصات موثقة مع الدائنين.
- يتم حجز أي مبالغ تتعلق بالوصية من التركة.
- وأخيراً، يتم توزيع التركة بين الورثة وفقاً للنصيب الشرعي لكل منهم، ويوقعون على ورقة إثبات القسمة وإقرار بحدوثها بالتراضي دون أي إكراه أو غبن.
إذا كان هناك قاصر بين الورثة وتم الاتفاق على توزيع التركة ، يجب على الورثة إثبات القسمة لدى محكمة الأحوال الشخصية. بعد ذلك، يحق للورثة التوجه إلى الجهة الرسمية المختصة لإفراغ ملكية أموال المورث لهم وفقاً لـ قسمة التركة، ومن المهم أن نلاحظ أن ورقة إثبات توزيع التركة بالتراضي، بعد الانتهاء من القسمة، تعتبر ذات حجية في مواجهة جميع الورثة ولا يمكن نقضها.
إجراءات قسمة التركة بالإجبار وأسبابها
في بعض الأحيان، قد يتعذر على الورثة تقسيم الميراث بالتراضي، مما يدفع بعضهم إلى رفع دعوى قسمة التركة. يتم ذلك تحت إشراف القضاء، حيث:
- تبدأ الإجراءات بتحرير صحيفة الدعوى التي تتضمن معلومات أساسية مثل تاريخ وفاة المورث وتحديد التركة التي خلفها، مع ضرورة توضيح كل نوع من أنواع التركة بشكل تفصيلي. يجب أن تتضمن صحيفة الدعوى طلب الحكم بـ قسمة التركة وتوزيع نصيب كل وارث.
- خلال سير الدعوى، يتعين تقديم مستندات هامة مثل صك حصر ورثة المتوفى، وصك الولاية على الورثة القصر، وصك الوصية إن وُجدت، بالإضافة إلى صكوك الوكالة من الورثة البالغين، وكشف بحسابات المتوفى في البنوك إن وجدت، وشهادات ملكية الأسهم وصكوك العقارات.
- يقوم القاضي بحصر أملاك المورث، ويجب على جميع الورثة الإفصاح عنها. في حال امتناع أحد الورثة عن الإفصاح، يحق للقاضي أن يأمر بإحضاره والقبض عليه.
- كما يحق للورثة تقديم طلبات عارضة أثناء سير دعوى توزيع التركة، بشرط أن تتماشى مع الطلب الأصلي، مثل طلب قسمة منافع الأموال المشتركة أو تعيين حارس قضائي. ولا يتم وقف سير دعوى قسمة التركة إلا بأمر من المحكمة، خاصة إذا كانت هناك منازعات قد تؤدي إلى استغراق التركة.
- في النهاية، تصدر المحكمة حكمها بعد أن ينتهي القاضي من حصر ديون المورث وأملاكه، حيث يتم سداد الديون من أموال التركة إن وجدت، ثم يتم تقسيم المتبقي على الورثة وفقاً لنصيب كل منهم الشرعي.
إجراءات تنفيذ تقسيم الميراث بعد صدور الأحكام النهائية من خلال وحدة الإسناد والتصفية
- بعد صدور الحكم النهائي وتذييله بالصيغة التنفيذية، يتم تقديم طلب تنفيذ تقسيم الميراث إلى محكمة التنفيذ المختصة وفقاً للنطاق المكاني للمحكمة التي أصدرت الحكم.
- يقوم قاضي التنفيذ بإصدار قرار بمحضر مفتوح، ويُكلف وحدة الإسناد والتصفية بمهمة بيع العقار موضوع الطلب.
- تتولى وحدة الإسناد والتصفية تشكيل لجنة لتقييم العقار المعني. كما تقوم بتعيين وكيل لبيع العقار.
- يتولى وكيل البيع تحديد موعد ومكان المزاد العلني لبيع العقار، مع مراعاة أن لا تقل قيمة البيع عن التقييم الذي حددته وحدة الإسناد والتصفية.
- بعد إجراء المزاد، يقوم وكيل البيع بإرسال محاضر البيع إلى وحدة الإسناد والتصفية، التي بدورها تزود الدائرة بهذه المحاضر حتى تصدر قراراً بالترسية.
- عقب صدور قرار الترسية، يتم نقل ملكية العقار إلى المشتري من خلال كاتب العدل في وحدة الإسناد والتصفية.
- بعد نقل الملكية، تُرسل قيمة البيع إلى الدائرة لـ توزيع التركة بين الورثة وفقاً لنصيب كل منهم الشرعي.
خاتمة
خلال هذه المقالة، حصلنا على رؤى جديدة حول أهمية الدقة والشفافية في تنفيذ الإجراءات القانونية المتعلقة بـ توزيع التركة والمواريث. كما تمكنا من فهم أفضل الأساليب التي يمكننا من خلالها تطبيق هذه القوانين لتفادي الخلافات وتحقيق العدالة في توزيع الأصول والممتلكات. إن اكتسابنا لهذه المعرفة يمثل فرصة لتحقيق التطبيق الأمثل للقوانين في تقسيم الميراث، ونسعى إلى تحقيق عدالة أكبر وتقديم مساهمة إيجابية في تنظيم و توزيع التركة والمواريث بشكل صحيح وفقًا للأصول القانونية.
أسئلة شائعة
ما هي الإجراءات القانونية المطلوبة لتوزيع التركة في السعودية؟
إجراءات توزيع التركة عن طريق المحكمة هى كما يلى:
استخراج صك إعلام الوراثة؛ حيث يوضح هذا الصك من هم الورثة المستحقين للورث.
إرسال الورثة إنذار من يرفض منهم توزيع التركة.
في حالة امتناع هذا الوارث عن التقسيم؛ يتم عمل محضر امتناع لهذا الوارث ويتم تقديمه للمحكمة.
ما هي حقوق الورثة في توزيع التركة؟
ترتيب الحقوق في التركة
تجهيز الميت بالمعروف. قضاء الديون، ويقدم منها ما كان متعلقاً بعين من التركة. تنفيذ الوصية. توزيع التركة وقسمة ما يبقى من التركة على الورثة.
كيف يمكن تقسيم التركة بين الورثة بشكل عادل؟
خطوات تنفيذ توزيع التركة بالتراضي وبشكل عادل بين الورثة هى كما يلى:
موافقة جميع الأطراف على توزيع التركة بينهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية ونظام المواريث.
استخراج صك حصر الإرث.
وبعدها يتم حصر التركة والتعرف على الممتلكات والأموال وكافة الأشياء التي تشتمل عليها.
حصر الورثة الشرعيين.
توزيع التركة على الورثة وفق أحكام الشريعة.
توثيق توزيع التركة.
ما هي القوانين المعمول بها لتوزيع التركة في المملكة؟
في القانون السعودي يُعتبر تسديد ديون المتوفّى جزءاً من الإجراءات التي يجب أخذها قبل توزيع التركة على الورثة وبموجب الشريعة الإسلامية، يُعتبر التسديد مسؤولية مشتركة للورثة ويتم تقسيمها بينهم بناءً على حصصهم ويتعين على الورثة التعاون مع بعضهم لتحديد المبالغ المستحقة وتوزيعها بشكل عادل ويجب على الورثة تسديد الديون.
ما هي التحديات التي قد تواجه الورثة أثناء توزيع التركة؟
قد يواجه الورثة بعض المواقف أو الإشكالات التي يتعين عليهم فيها اللجوء إلى طريقة توزيع التركة عن طريق المحكمة، ومن أبرزها اذا رفض احد الورثة القسمة أو اختلاف الورثة في البيع أو تصرف أحدهم في التركة قبل تقسيمها. يشمل ذلك أيضاً بعض الحالات التي يوجد فيها وريث قاصر أو مفقود أو غائب، أو وصية للمتوفى أو حصة وقف ضمن التركة.
المراجع