في إطار سعي المملكة العربية السعودية إلى تعزيز بيئة العمل وحماية حقوق أطراف العلاقة العمالية، جاءت لائحة التسوية الودية كأحد أهم الأدوات القانونية التي تنظم آلية حل النزاعات بين العامل وصاحب العمل قبل اللجوء إلى المحاكم العمالية، هذه اللائحة تمثل خطوة جوهرية في تحقيق العدالة الناجزة، حيث تمنح الأطراف فرصة لحل خلافاتهم بالتراضي عبر مكاتب التسوية الودية التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
يقدم المكتب خدمات تقديم المشورة القانونية للأفراد ومراجعتها بالشكل القانوني الصحيح بطرق احترافية تضمن لك جميع حقوقك، لا تتردد وقم بالتواصل معنا الان.
يهدف هذا المقال إلى شرح لائحة التسوية الودية بشكل موسع، مع توضيح أهم موادها وبنودها والإجراءات المرتبطة بها، بما يسهل على الأفراد وأصحاب الأعمال فهم حقوقهم والتزاماتهم.
ما هو نظام التسوية الودية؟
يُعتبر نظام التسوية الودية الخطوة الأولى والأساسية في نظر جميع القضايا العمالية داخل المملكة العربية السعودية، وهو إجراء إلزامي نصت عليه لائحة التسوية الودية قبل انتقال النزاع إلى المحكمة العمالية.
تكمن أهمية هذا النظام في كونه وسيلة سريعة وفعّالة لحل الخلافات بين العامل وصاحب العمل، بما يضمن تحقيق العدالة للطرفين دون الدخول في إجراءات قضائية مطوّلة.
وفقًا للمادة (31) من اللائحة التنفيذية لنظام العمل، تُحال الشكوى العمالية تلقائيًا إلى مكاتب التسوية الودية التابعة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، حيث يتولى المصلحون القانونيون إدارة جلسات الصلح والعمل على تقريب وجهات النظر، ويهدف هذا الإجراء إلى تخفيف الضغط عن المحاكم العمالية من جهة، وحماية حقوق أطراف العلاقة التعاقدية من جهة أخرى.
يمكنك التعرف أيضا على: نموذج انهاء عقد عمل بالتراضي
الغايات الأساسية لنظام التسوية الودية
- تقليل عدد القضايا المرفوعة أمام المحاكم العمالية من خلال إيجاد حلول سريعة.
- توفير الوقت والجهد والنفقات على العامل وصاحب العمل.
- دعم استقرار بيئة العمل وتعزيز الثقة بين الأطراف.
- المساهمة في تحقيق رؤية المملكة 2030 عبر تطوير سوق عمل تنافسي وعادل.
المدة الزمنية للتسوية الودية
نصت المادة (40) من لائحة التسوية الودية على أن مدة محاولات الصلح لا تتجاوز (21) يومًا من تاريخ عقد أول جلسة، مع إمكانية تمديد هذه المدة لمرة واحدة فقط بقرار من مدير المكتب المختص، شريطة وجود مبررات واضحة.
النتائج المترتبة على نظام التسوية الودية
بعد استكمال جلسات التسوية الودية وفق الإجراءات النظامية، تظهر نتائج محددة تؤثر بشكل مباشر على مسار القضية، سواء من خلال إنهائها بالصلح أو استمرارها أمام المحكمة.
في حال نجاح الصلح
يتم توثيق الاتفاق بمحضر رسمي يوقّع عليه الطرفان ويُعد سندًا تنفيذيًا له قوة الأحكام القضائية، ما يعني أنه قابل للتنفيذ الفوري من خلال دوائر التنفيذ.
في حال فشل التسوية
تُحال القضية مباشرة إلى المحكمة العمالية مرفقة بمحضر يتضمن ملخص الجلسات والإجراءات التي تمت، ليبدأ القاضي النظر في الدعوى من النقطة التي توقفت عندها محاولات الصلح.
وبهذا، يتضح أن لائحة التسوية الودية ليست مجرد إجراء شكلي، بل هي نظام متكامل يسعى لتحقيق التوازن بين سرعة البت في النزاعات وحماية الحقوق العمالية وفق أحكام النظام السعودي.
لائحة التسوية الودية
تشكل لائحة التسوية الودية الإطار النظامي الذي تنظم من خلاله وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية إجراءات حل النزاعات العمالية قبل وصولها إلى المحاكم، فهي المرجع القانوني الأساسي الذي يوضح الخطوات العملية أمام العامل وصاحب العمل، ويضمن تحقيق العدالة في بيئة العمل وفق الضوابط النظامية.
آلية تقديم الشكوى
تبدأ الإجراءات بتقديم الطلب عبر منصة قوى الإلكترونية، حيث يقوم العامل أو صاحب العمل بإدخال البيانات الأساسية مثل:
- بيانات الطرفين.
- نوع العلاقة التعاقدية.
- موضوع الخلاف.
هذه الخطوة تتيح للمكاتب المختصة تجهيز الملف قبل بدء الجلسات.
إشعار الأطراف
بموجب اللائحة، يلتزم مكتب التسوية بإشعار العامل وصاحب العمل بموعد الجلسة الأولى خلال مدة لا تتجاوز (7) أيام عمل من تاريخ تسجيل الشكوى، وذلك لضمان سرعة البت في القضايا.
إجراءات الجلسات
- تُعقد الجلسات بحضور مصلح قانوني معتمد يتولى تقريب وجهات النظر.
- يسمح لكل طرف بتقديم مذكرات كتابية أو مستندات تؤيد موقفه.
- يتم تدوين جميع مجريات الجلسات في محضر رسمي يوقع عليه الأطراف والمصلح القانوني.
المواد النظامية ذات الصلة
- المادة (220) من نظام العمل تنص صراحة: “تعد التسوية الودية إجراءً إلزامياً يسبق رفع الدعوى العمالية أمام المحاكم”.
- المادة (223) من نفس النظام تقرر: “إذا اتفق الطرفان صلحًا، يتم تحرير محضر يُعد سندًا تنفيذياً لا يقبل الطعن”.
الطابع الإلزامي
من أبرز ما تميزت به لائحة التسوية الودية أنها تلزم الطرفين بالحضور إلى الجلسات، وإذا تخلّف أحدهما دون عذر مشروع، يحرر المكتب محضرًا بذلك ويُحال النزاع مباشرة إلى المحكمة العمالية للفصل فيه.
أمثلة عملية على تطبيق لائحة التسوية الودية
لتوضيح كيفية تطبيق لائحة التسوية الودية عمليًا، نستعرض بعض الأمثلة الواقعية المستندة إلى مواد نظام العمل السعودي، والتي تُبيّن أثر هذه التسوية في حسم النزاعات العمالية.
مثال 1: نزاع حول الرواتب المتأخرة
- عامل لم يتسلم راتبه لعدة أشهر، وأثناء جلسة التسوية الودية تم إلزام صاحب العمل بسداد الأجور المتأخرة.
- الاستناد القانوني كان إلى المادة (90) من نظام العمل التي توجب على صاحب العمل دفع الأجور في مواعيدها المحددة.
- تم توثيق الاتفاق بمحضر رسمي وأصبح سندًا تنفيذيًا.
مثال 2: فصل تعسفي
- موظفة تم فصلها دون سبب مشروع، وخلال جلسة التسوية استندت إلى المادة (77) من نظام العمل، التي تمنح الحق في التعويض عن الفصل غير المشروع.
- تم الاتفاق على دفع تعويض مالي يساوي أجر 60 يومًا بالإضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة وفق المادة (84).
مثال 3: مكافأة نهاية الخدمة
- عامل أنهى عقده وطالب بمكافأة نهاية الخدمة، وخلال جلسة التسوية تم احتساب المكافأة استنادًا إلى المادة (84) التي تنص على استحقاق العامل نصف أجر شهر عن كل سنة في الخمس الأولى، وأجر شهر كامل عن كل سنة بعدها.
مثال 4: نزاع على الإجازات السنوية
- موظف لم يحصل على إجازاته السنوية، وخلال جلسة التسوية استند إلى المادة (109) من نظام العمل التي توجب منح العامل 21 يومًا كإجازة سنوية بأجر كامل.
- تم الاتفاق على منحه تعويضًا ماليًا عن الأيام التي لم يحصل عليها.
وبذلك، يتضح أن لائحة التسوية الودية لا تقتصر على الجانب الإجرائي، بل توفر حلولًا عملية لحماية حقوق العامل وضمان التزامات صاحب العمل بشكل منصف وسريع.
التسوية الودية للافراد
تُعتبر لائحة التسوية الودية أداة قانونية مهمة لا تقتصر على القضايا الجماعية أو الخلافات الكبرى بين الشركات والعمالة، بل تمتد لتشمل الأفراد أيضًا، سواء كانوا عمالًا، موظفين، أو أصحاب عمل في منشآت صغيرة، وتأتي هذه المرحلة لتمنح الطرفين فرصة جدية لتسوية نزاعاتهم بشكل ودي بعيدًا عن أروقة المحاكم.
أهمية التسوية الودية للأفراد
- تخفف من الأعباء المالية والنفسية على الأطراف.
- تتيح للأفراد الوصول إلى حلول مرضية تحفظ حقوقهم.
- توفر الوقت والجهد مقارنة بإجراءات التقاضي الطويلة.
الإجراءات العملية
- يتوجه الفرد المتضرر لتقديم شكواه عبر منصة قوى أو مباشرة في مكتب التسوية الودية.
- يتم إشعار الطرف الآخر بموعد الجلسة الأولى خلال فترة قصيرة (لا تتجاوز 7 أيام عمل).
- يشارك المصلح القانوني في تقريب وجهات النظر، مع توثيق جميع التفاصيل في محضر رسمي.
النصوص النظامية ذات العلاقة
- المادة (220) من نظام العمل تؤكد أن المرور عبر لائحة التسوية الودية شرط إلزامي قبل رفع الدعوى.
- المادة (223) تنص على أن أي صلح يتم توثيقه خلال هذه المرحلة يصبح سندًا تنفيذياً له قوة الأحكام القضائية.
النتيجة
إذا تم التوصل إلى اتفاق، يحصل الفرد على حقه بشكل أسرع وأقل تكلفة، أما إذا لم ينجح الصلح، فإن القضية تُحال إلى المحكمة العمالية مع محضر رسمي يُثبت أن الأطراف خاضوا مرحلة التسوية الودية بكامل تفاصيلها.
نصائح للاستفادة من لائحة التسوية الودية
لتحقيق أفضل نتيجة عند المرور بمرحلة التسوية الودية، يُنصح الأفراد وأصحاب العمل باتباع مجموعة من الإرشادات العملية التي تضمن حماية حقوقهم وتسريع الإجراءات:
1. الاطلاع المسبق على لائحة التسوية الودية
فهم البنود النظامية والإجراءات المحددة في اللائحة يمنحك وعيًا قانونيًا يساعدك في تقديم دفوعك بوضوح.
2. تجهيز المستندات والأدلة
مثل عقود العمل، كشوف الرواتب، أو أي اتفاقيات مكتوبة، حيث يعتمد المصلح القانوني على هذه المستندات في تقريب وجهات النظر.
3. الحضور الفعّال للجلسات
التخلف عن حضور جلسات التسوية قد يؤدي لإحالة القضية مباشرة إلى المحكمة دون الاستفادة من فرصة الحل الودي.
4. الانفتاح على الحلول الوسط
الهدف من لائحة التسوية الودية ليس الانتصار لأحد الأطراف، بل الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين ويمنع النزاع من التصعيد.
5. الاستعانة بخبير قانوني
وجود محامٍ مختص أو مستشار قانوني يساعد على صياغة المذكرات بشكل احترافي وضمان عدم التنازل عن الحقوق الجوهرية.
باتباع هذه النصائح، يمكن لكل طرف أن يستفيد بشكل كامل من لائحة التسوية الودية، ويصل إلى حل عادل يحافظ على حقوقه ويوفر عليه الوقت والجهد المرتبطين بالتقاضي.
يمكنك التعرف أيضا على: صحيفة الدعوى الالكترونية
ختاما، يتضح أن لائحة التسوية الودية ليست مجرد إجراء شكلي، بل آلية نظامية متكاملة تساهم في حفظ الحقوق وتقليل النزاعات العمالية أمام المحاكم، نجاح هذه المرحلة يعتمد على جدية الأطراف واستعدادهم لتقديم حلول مرنة تعزز من استقرار بيئة العمل في المملكة.
وإذا كنت بحاجة إلى استشارة قانونية متخصصة أو مساعدة في متابعة إجراءات التسوية، فلا تتردد في التواصل معنا، فنحن هنا لدعمك خطوة بخطوة.
أسئلة شائعة
هل يمكن تقديم الشكوى وفقًا لـ لائحة التسوية الودية دون وجود عقد عمل مكتوب؟
نعم، يمكن تقديم الشكوى حتى في حال عدم وجود عقد مكتوب، بشرط وجود أدلة أخرى مثل كشوف الرواتب أو ما يثبت مزاولة العمل.
هل جلسات التسوية الودية تتم حضوريًا فقط أم يمكن عبر الاتصال المرئي؟
تتيح بعض مكاتب التسوية خيار عقد الجلسات عن بُعد باستخدام تقنيات الاتصال المرئي، خصوصًا إذا كان أحد الأطراف يقيم في منطقة مختلفة.
ماذا يحدث إذا رغب الطرفان في إعادة المحاولة بعد فشل التسوية ضمن لائحة التسوية الودية؟
يمكن للأطراف التقدم بطلب جديد، ولكن في الغالب تُحال القضية مباشرة إلى المحكمة العمالية ما لم يقدم سبب مقبول يوافق عليه المكتب المختص.
هل يشترط وجود محامٍ أثناء جلسات التسوية الودية؟
لا، الاستعانة بمحامٍ ليست إلزامية، لكن وجوده قد يساعد في تعزيز الموقف القانوني وصياغة المذكرات بطريقة أكثر احترافية.
للتواصل مع أفضل محامي في مكة، وطرح ما لديك من تساؤلات عليه لا تتردد بالتواصل معنا
المصادر